ذكر موقع "مغرب إنتليجنس" الاستخباري أن الجزائر تخلى عن زعيم حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي وألتزمت "صمت الخرفان" إزاء اعتقاله، على الرغم من اهتمامها بمتابعة أي تطورات داخل الطبقة السياسية التونسية. وأشارت مصادر جزائرية مطلعة إلى أن القبض على الغنوشي بسهولة من قبل وحدة أمنية صغيرة خلال وقت الإفطار في منزله، يعني أن النظام الجزائري قد رفع بشكل غير رسمي الحماية التي كان يوفرها له منذ عام 2021.
وأضافت المصادر أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والمؤسسة العسكرية قد فضلا التضحية براشد الغنوشي "تسوّلاً" للتقرب من السعودية، التي تشهد علاقاتها توتراً في الأونة الأخيرة.
وفقًا للمصادر، أصبحت "الصفقة" التي تربط الرئيس التونسي قيس سعيد بالجزائر لا تخفى على أحد، وتفرض عليه ولاءً مطلقًا ودعمًا ثابتًا مقابل احترامه لبعض الخطوط الحمراء التي رسمها جيرانه الغربيون. ويُعَدّ ضمان السلامة الجسدية والمعنوية لزعيم حركة النهضة جزءًا من هذه الخطوط، ويندرج ضمن استراتيجية إقليمية تهدف إلى تدجين جماعة الإخوان المسلمين في تونس، لمنعهم من الترويج لأفكارهم المعادية للقوات الأمنية والعسكرية في الجزائر.
ووفقًا للموقع، كان راشد الغنوشي يحافظ على علاقات جيدة مع النظام الجزائري منذ فترة طويلة قبل وصول قيس سعيد إلى السلطة في تونس. وقد دعم النظام الجزائري مرارًا الحكومات التونسية المتعاقبة التي تضمّ أعضاءً بارزين في حركة النهضة، وعلى صعيد مقابلة هذا الدعم، حرص الإسلاميون التونسيون على ألا تصبح بلادهم مرتعًا لانتشار أفكار الإسلام الراديكالي المعادي للجيش الجزائري.
التراجع عن الصفقة
وفقًا للموقع، بعد الانقلاب الذي قام به قيس سعيد على الدستور في 25 يوليو 2021، تم التوصل إلى صفقة بين النظام الجزائري والرئيس التونسي قيس سعيد تهدف إلى توفير بعض الحماية لراشد الغنوشي لتحقيق توازن معين للقوى يكون مفيدًا لمصالح الجزائر في تونس. ومع ذلك، يبدو أن هذه الصفقة قد تم فسخها بسبب ميل الجزائر إلى المصالحة بسرعة مع السعودية، والتي أدت التطبيع مع إيران إلى تغيير كل المعطيات الجيو-ستراتيجية في المنطقة.
وأكدت مصادر تحدثت إلى "مغرب إنتليجنس" أن هذا الأمر يرجع إلى النظام الإقليمي الجديد الذي يرسمه الرياض مع "شريكها" الإيراني الجديد، والذي يشعر الجزائر بأنها مهددة بشكل كبير. ويتمثل ذلك في عدم دعوة السعودية للجزائر لحضور الاجتماع التشاوري حول عودة سوريا إلى حظيرة جامعة الدول العربية، علمًا بأن الجزائر ترأس حاليًا هذه المنظمة الإقليمية، وذلك لإثبات أن النظام الجزائري لا مكان له في دائرة حلفاء الرياض الجدد.
الجزائر تغازل النظام السعودي
ومن ناحية أخرى، اضطر النظام الجزائري إلى اعتماد استراتيجية جديدة لجذب السعودية والعودة إلى التعاون معها، وذلك عن طريق استخدام تونس كورقة خاصة به في المنطقة المجاورة. ولكن، أشار الموقع إلى أن هذا تم على حساب جماعة "الإخوان المسلمين التونسيين"، التي تحاربها السعودية باعتبارها عدوها اللدود، وفي الوقت نفسه تحظى بدعم من قطر وتركيا، اللتين تتماشى مع مصالح الجزائر.
الغنوشي كبش الفداء
وزعم الموقع أن رأس راشد الغنوشي أصبح "هدية" قيّمة من النظام الجزائري إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ودعا إلى مراقبة رد فعل محمد بن سلمان تجاه هذه اليد الجزائرية "المتسولة". ويأتي ذلك في الوقت الذي تعمل فيه الرياض على إغلاق ملف سوريا نهائياً، وهو الاختبار الأخير للخلاف الرئيسي مع طهران، وتأسيس نظام جديد يدير الشؤون المعقدة في العالم العربي والإسلامي.